السبت، 18 ديسمبر 2010

قصة أبكتني

في كل يوم جمعة ، وبعد الصلاة ، كان الامام وابنه البالغ من العمر إحدى عشر سنة من شانه أن يخرج في بلدتهم في احدى ضواحي أمستردام ويوزع على الناس كتيب صغير بعنوان طريقاً إلى الجنة وغيرها من المطبوعات الاسلامية .
وفي إحدى الأيام بعد ظهر الجمعة ، جاء الوقت للإمام وابنه للنزول إلى الشوارع لتوزيع الكتيبات ، وكان الجو بارداً جداً في الخارج ، فضلا عن هبطولا الأمطار
الصبي ارتدى كثير من الملابس حتى لا يشعر بالبرد ، وقال : حسناً يا أبي ، أنا مستعد ! سله والده " مستعد لماذا " قال الابن يا أبي ، لقد حان الوقت كي نخرج لتوزيع هذه الكتيبات الاسلامية .
أجابه أبوه، الطقس شديد البرودة في الخارج وانها تمطر بغزارة .
أدهش الصبي أبوه بالاجابة وقال : ولكن يا أبي لا يزال هناك ناس يذهبون إلى انار على الرغم من انها تمطر .
أجاب الأب ، ولكنني لناخرج في هذا الطقس
قال الصبي ، هل يمكن يا أبي ، أن أذهب أنا من فضلك لتوزيع الكتيبات
تردد والده للحظة ثم قال : يمكنك الذهاب ، وأعطاه بعض الكتيبات قال الصبي " شكراً يا أبي !
ورغم ان عمر هذا الصبي 11 سنة فقط إلا أنه مشى في شوارع المدينة في هذا الطقس البارد والممطر لكي يوزع الكتيبات على من يقابله من الناس وظل يتردد من باب إلى باب حتى يوزع الكتيبات الاسلامية
بعد ساعتينمن المشي تحت المطر تبقى معه أخر كتيب وظل يبحث عن احد الماره في الشارع لكي يعطيه له لكن كانت الشواع مهجورة تماما
ثم استدار إلى الرصيف المقابل لكي يذهب إلى أول منزل يقابله حتى يعطيهم الكتيب ودق الجرس ، ولكن لا أحد يجيبه
ظل يدق الجرس مرارا وتكرارا ولكن لازال لا أحد يجيب وأراد أن يرحل ولكن شيئاً ما يمنعه
مرة أخرى التفت إلى الباب ودق الجرس وأخذ يطرق على الباب بقبضته بقوة وهو لا يعلم ما الذي جعله ينتظر كل هذا الوقت وظل يطرق الباب وهذه المرة فتح الباب ببطء
وكانت تقف عند الباب إمراءة عجوز كبيرة في السن ويبدو عليها علامات الحزن الشديد فقالت له : ماذا أستطيع أن أفعل لك ياب بني .
قال لها الصبي الصغير ونظر لها بعينان متألقتان وعلى وجهه إبتسامة أضاءت لها العالم .
سيدتي ،أنا أسف إذا كنت ازعجتك ،ولكن فقط أريد أن أقول لكي ان الله يحبك حقيقي ويعتني بك وجئت لكي أعطيكي أخر كتيب معي والذي سوف يخرك كل شئ عن الله والغرض الحقيقي من الخلق، وكيفية تحقيق رضوانه.
واعطاها الكتيب وأراد ألانصراف فقالت له شكر لك يا بني وحياك الله .
في الأسبوع القادم بعد صلاة الجمعة ، وكان افمام يعطي محاضرة ، وعندما انتهي منها وسأل هل لدى أي شخص سؤال أو يريد أن يقول شئاً
ببطء وفي الصفوف الخلفية وبين السيدات كنانت سيدة عجوز يسمع صوتها تقول لا أحد في هذا الجمع يعرفني ، ولم أتى إلى هنا من قبل ، وقبل الجمعة الماضية لم أكن مسلمة ولم أفكر أن اكون كذلك .
وقد توفى زوجي منذ أشهر قليلة ، وتركني وحيدة تماما في هذا العالم ويوم الجمعة الماضي كان الجو بارد وكانت تمطر وقد قررت أن انتحر لأنني لم يبقى لدى أي امل في الحياة .
لذا أحضرت حبل وكرسي وصعدت إلى الغرفة العلوية في بيتي ، ثم قمت بتثبيت الحبل جيداً في أحدى عوارض السقف الخشبية ووقفت فوق الكرسي وثبت طرف الحبل الأخر حول عنقي وقد كنت وحيدة ويملؤني الحزن وكنت على وشك ان أقفز .
وفجأة سمعت صوت رنين جرس الباب في الطابق السفلي فقلت سوف أنتظر لحظات ولن أجيب وايا كان من يطرق الباب فسوف يذهب بعد قليل .
انتظرت ثم انتظرت حتى ينصرف من الباب ولكن كان صوت الطرق على الباب ورنين الجرس يرتفع ويزداد .
قلت لنفسي مرة أخرى " من على وجه الآرض يمكن أن يكوكن هذا ؟ لا أحد على الاطلاق يدق جرس بابي ولا يأتي أحد ليراني رفعت الحبل من حول رقبتي وقلت أذهب لأرى من الباب ويدق الجرس والباب بصوت عالي وبكل هذا الاصرار
عندما فتحت الباب لم أصدق عيني فقد كان صبي صغير وعيناه تتألقان وعلى وجهه إبتسامة ملائكية لم أرمثلها من قبل ، حقيي لا يمكنني أن أصفها لكم الكلمات التي جاءت من فمه مست قلبي الذي كان ميتا ثم قفز إلى الحياة مرة أخرى وقال لي بصوت ملائكي " سيدتي لقد أتيت الآن لكيأقول لكي أن الله يحبك حقيقة ويعتني بك !
ثم اعطاني هذا الكتيب الذي أحمله " الطريق إلى الجنة "
وكما اتاني هذا الملاك الصغير فجأة أختفى فجأة مرة أخرى وذهب من خلال البرد والمطر ، وأنا أغلقت بابي وبتأني شديد قمت بقراءة كل كلمة في هذا الكتاب ، ثم ذهبت إلى الآعلى وقمت بإزالة الحبل والكرسي لأنني لن أحتاج إلى أي منهم بعد الآن .
ترون ؟ انا الآن سعيدة جداً لأنني تعرفت إلى الإله الواحد الحقيقي .
ولآن عنوان هذا المركز الاسلامي مطبوع على ظهر الكتيب ، جئت إلى هنا ينفسي لأقول لكم الحمد لله وأشكركم على هذا الملاك الصغير الذي جائني في القو المناسب تماماً ومن خلال ذلك تم انقاذ روحي من الخلود في الجحيم
لم تكن هناك عين لا تدمع في المسجد وتعالت صيحات التكبير ...... الله اكبر .....
الإمام الأب نزل من على المنبر وذهب إلى الصف الأمامي حيث كان يجلس ابنه هذا الملاك الصغير .
واحتضن ابنه بين زراعية واجهش في البكاء أمام الناس دون تحفظ ، ربما لم يكن بين هذا الجمع أب فخور بابنه مثل هذا الآب

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

برلمان(سالب 2010)

برلمان (ناقص 2010)(سالب 2010)

سيكون برلمان ( ناقص 2010 ) أو بالتعبير الرياضي ( سالب 2010 ) والسالب هذا على خط الأعداد هو بعد الصفر أي ان هذا البرلمان لم يبلغ درجة الصفر مازال هناك بعيد عن الصفر بمسافة 2010 رقم . لك ان تتخيل ما سيكون هذا البرلمان .

سيكون كالتالي واترك العنان لخيالك حتى لا تصدم وتستطيع ان تواجه الواقع الذي سيكون أسوأ وأسوأ.

تخيل الفساد بقوانين وان السارق سيسرق بالقانون والمرتشي بالقانون .

تخيل بلد مثل مصر فيد يد أحمد عز والذي ترك دائرته الانتخابية وكان في غرفة العمليات يدير المعركة كما كان يفعل ابطال حرب اكتوبر في غرفة العمليات .

تخيل احمد عز وهو يتحكم في القوانين والمرشحين .

تخيل ناس بتموت عشان تعيش .

تخيل المشهد العراقي عندما ترك الجيش البلد للأمريكان وهم ينهبونها وكل مواطن دخل قصور الرئاسية وأخذ منها كرسي .

تخيل المواطن المصري وهو يدفع ضريبه على نفسه ( عملية التنفس الشهيق والزفير )

تخيل وباء مثل الكوليرا ينتشر في مصر ولكن باسم أخر وهو الحزب الوطني .

تخيل اثيوبيا تتحكم فينا وفي شربنا

تخيل كيلو الطماطم بـ 50 جنية

تخيل كيلو اللحمة بـ 150 جنيه

تخيل الأرز بـ 100 جنيه ومش هاتلاقيه

تخيل القمح بـ 90 جنيه

تخيل بناتنا وهن يغتصبن في الظهر من بعض البلطجية

تخيل ........ تخيل .........تخيل

اذا كان المواطن المصري الحالي هو حقل تجارب لهذا الحزب الذي يمتلك البلد منذ أكثر من 30 عاماً لك ان تتخيل ما سيكون عليه هذا المواطن بعد هذه الدورة ......

الأربعاء، 15 سبتمبر 2010

مسلسل الجماعة وبرنامج حمرا

الأربعاء، 19 مايو 2010

الإيجابية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيجابية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الراعي أبو المكارم

إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي على السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تُكبلها القيود. الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.

واللغة تسعفنا، إذ تعطينا معاجمها دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب "أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه"

[لسان العرب 1/793].

ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام. ومعناها في المفهوم المعاصر يتسع ليكون دالاً على إيجاب المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، لما عنده من همة عالية، ورغبة عارمة في البذل.

ويمكن أن نُعَّرف الإيجابية في حياة المسلم بأنها: الحركة الذاتية للعبد المؤمن الناشئة عن حياة القلب المؤمن لتغيير الواقع وإصلاحه بما يوافق شريعة الله عز وجل.

[انظر: استراتيجية التطوير الإداري والإصلاح الشامل، إبراهيم الديب ص 81-83].

وقد تعرض القرآن الكريم للإيجابية في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:95)،

فهو هنا سبحانه لم يساو بين الإيجابي بماله ونفسه ووقته وجهده وبين السلبي عن البذل والعمل. ومن نماذج الإيجابية في السنة قوله صلى الله عليه وسلم " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " [رواه البزار].

فالمؤمن يعمل لنصرة الحق وإسعاد البشرية حتى وإن قانت الساعة. ومن ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: " بلغوا عني ولو آية "، فالإيجابية في العمل لنصرة دين الله حتى ولو بأقل القليل قدر المستطاع فلا عذر لأحد عن العمل بالحركة والبذل والسعي للإصلاح والتغيير.

قيمة الإيجابية وأهميتها:

الإيجابية هي الروح التي تدب في الأفراد فتجعل لهم قيمة في الحياة، وتدب في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، وهي الدليل الهادي والخريت) الخِرِّيت: الدليلُ الحاذقُ بالدلالة.

[اللسان، مادة (خرت)].

الذي لا يضل الطريق، والأمل الذي لا يتبدد، والمطية التي لا تكبو، وهي صمام أمان للجميع، وهي جماع عدة أمور من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبر ووفاء وصدق عهد مع الله .... إلخ.

وتكمن أهمية الإيجابية -فيما نرى- في أنها

1-تمنع من الانحراف في الدين

لو أن هذا الدين الذي ختم الله به الرسالات، وأكمل به الشرائع، تُرك لكل واحد أن يدلو فيه بدلوه بالزيادة أو النقصان، ماذا سيكون حال هذا الدين؟!

لابد أن النتيجة الحتمية هي التحريف في هذا الدين، وضياع صورته الحقيقية، وتشويه شكله، وطمس معالمه الأصيلة، وتزييف أهدافه النبيلة.

ولكن لو أن كل مسلم علم أنه على ثغر من ثغور الإسلام، وأنه مطالب بالحفاظ على هذا الدين من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، لظل هذا الدين في حصن منيع يستعصي على من يتربصون به الدوائر.

ومشكلة أي دين تكمن في الابتداع فيه؛ لذلك حذر النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- منه، بل هدد وأوعد من يقدم على هذا الفعل فقال: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا"). أخرجه ابن ماجه

وصح عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )، أي: مردود عليه غير مقبول منه. أخرجه البخاري في "الصلح"،

والبدعة لا تقوم ولا تظهر إلا عند غفلة أهل الحق، وقعودهم عن القيام بالمسئولية المنوطة بهم، المعلقة في أعناقهم، فإذا وَجَدَتْ عند ابتدائها من يردها، فإنها ترجع مدحورة إلى جحرها، ولا تزال تطل برأسها بين الحين والآخر، وتنظر من طرف خفي حتى تجد الغفلة والسهو من أهل الحق فتعود من جديد.

وانظر -أيها القارئ الحبيب- إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم من أن "أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ.

فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ).

فهذا رجل من أهل السلطة يغير سنة من سنن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، فيقوم إليه رجل مجهول لم نعرف عنه شيئًا، ولكنه احتسب تلك القومة عند الله، مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك، وبعد ذلك يؤكد الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري أن هذا الرجل قضى ما عليه، وهذا صحيح لا يماري فيه إلا منافق، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث يقول: " إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" ). أخرجه أحمد في مسنده

وهناك مواقف عظيمة سجلها التاريخ لرجال خافوا على هذا الدين، فوقفوا في وجه الباطل مهما طغى وتجبر، وتصدوا للطغيان مهما بغى وتكبر؛ فها هو "قاضي البصرة إبراهيم بن محمد التيمي يقول: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم من بني أمية، والمتوكل في محو البدع وإظهار السنة ).

وهذه كلمة حق وشهادة صدق لهؤلاء الأطواد الشوامخ من أطواد الإسلام.

فإيجابية صديق الإسلام وثاني رجل في أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إيجابية مشرقة، فهو مثال ونموذج أعلى في الإيجابية، فقد وقف الصديق رضي الله عنه متوعدًا مانعي الزكاة قائلاً قولته المشهورة: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ])، وبذلك قضى على مانعي الزكاة الذين كانوا يريدون أن يتملصوا من تعاليم الدين، ويتحللوا من فرائضه رويدًا رويدًا، لكنه رضي الله عنه أدبهم فأحسن أدبهم، وردهم إلى الجادة، وجعلهم يسيرون في قافلة التوحيد مرة أخرى، بعدما كادوا أن يَضلوا ويُضلوا.

فلولا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووقوفه في وجه المرتدين لكان حال الإسلام في الجزيرة العربية، بل والعالم أجمع غير تلك الصورة التي نعيشها الآن.

وكذلك الحال مع المتوكل الذي أبطل فتنة القول بخلق القرآن التي ابتدعها المعتزلة، واحتضنها ثلاثة من خلفاء بني العباس، وهم: المأمون، والمعتصم، والواثق.

هذه الفتنة التي لم يثبت أمامها من العلماء إلا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل -طيب الله ثراه- الذي رفض الإذعان لأهل السلطان، ولم يخش الصولجان، وضحك في وجه المنايا بعين راضية، ونفس أبية، وشخصية قوية، وعقيدة صافية لا دخن فيها ولا شوائب، وتصدى لأعدائه وهو شامخ البنيان، ثابت الجنان، فصيح اللسان؛ فقد حاول أعداؤه أن يفرضوا عقيدتهم السقيمة بالقوة، واستعانوا بذوي المناصب، فأدخل أبو عبد الله السجن، وتكسرت السياط على البساط، وهو كالجبل الأشم الذي يصعب على الأعاصير المسمومة أن تنال منه شيئًا، وبعد ذلك منَّ الله تعالى عليه، وخرج من تلك المحنة مرفوع الرأس، مشرق الوجه، عالي الجبين، وثبت الله به المؤمنين، وهذا ما حدا بعلي بن المديني أن يقول: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ]).

والمزني أن يقول: "أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين" ).

2-تمنع من عذاب الله سبحانه

المسلم الفطن هو الذي يعرف كيف يقي نفسه من السوء، بل ويقي غيره منه، وأعظم السوء أن يحل بقوم غضب الله وعقابه وانتقامه لذنوب اقترفوها ولم يرجعوا عنها.

ولا يحل العذاب بقوم إلا إذا فشا فيهم المنكر غير عابئين بنصح ناصح أو إرشاد مرشد، والطامة الكبرى أن يقع الجميع في المنكر ولا يوجد من يردهم عنه.

ولاشك أن الذي يتحرك لتغيير المنكر هو الذي ينجيه الله سبحانه من سوء العذاب، ويتضح هذا من تلك القصة التي أمر الله سبحانه رسوله محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يذكّر يهود بها، فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: 163-165].

قال صاحب الظلال: "انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم: أمة عاصية محتالة. وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة. وأمة تدع المنكر وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي.. وهي طرائق متعددة من التصور والحركة، تجعل الفرق الثلاث أممًا ثلاثًا!

فلما لم يُجْدِ النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم، حقت كلمة الله، وتحققت نذره. فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء. وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد الذي سيأتي بيانه. فأما الفرقة الثالثة -أو الأمة الثالثة- فقد سكت النص عنها.. ربما تهوينًا لشأنها -وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب- إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب" ).

وكذلك أكد القرآن على هذا الأمر في قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود: 116-117].

قال الحافظ ابن كثير: "يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله: {إِلاَّ قَلِيلاً} أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرًا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه، وفجأة نقمته؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ]).

وقد أكد الأستاذ سيد قطب على أن هذه سنة كونية في الأمم؛ "فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير. فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال!

فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره.. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع.." ). في ظلال القرآن

وهناك إلى جانب آيات الله سبحانه أحاديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التي تدل على هذا الباب؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ سبحانه لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ -وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ- فَلاَ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ]). أخرجه أحمد

فهذا الحديث الشريف يبين لنا فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة إلا إذا انتشر المنكر بين الناس وأقروه ولم يحاولوا مقاومته، فهنا ينزل العذاب على العامة جزاءً وفاقًا؛ لأنهم لم تتغير وجوههم، ولم تحزن قلوبهم على حرمات الله المنتهكة.

وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حديث يبين هذا حينما سألته أمنا زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ]). أخرجه البخاري

فالإيجابية تحمي العامة من عذاب الله؛ حيث إنها تعد بمثابة الشمعة المضيئة التي تهدي الحيارى، وترشد التائهين إلى طريق رب العالمين.

4- أنه صمام أمان للمجتمع يقيه ويحفظه من كل نازلة .

فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ J قَالَ:[ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ ، وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا علَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا]) . رواه مسلم.

5-تمنع من جور الحكام والسلاطين

الحاكم ما هو إلا فرد من أفراد المجتمع، وقد خوله هذا المجتمع أن يباشر حكمهم، فإذا قام بينهم بالعدل فهذا غاية المنى، وإن لم يعدل وجب على مجتمعه أن يبين له مغبة ظلمه.

وما تجبر المتجبرون إلا عندما عجزت شعوبهم أن تردهم عن غيهم، والإيجابية تمنع من جور الحاكم، وتساعد على رد المظالم إلى أهلها؛ فالحاكم إذا سولت له نفسه أن يجور على الرعية، ولا يقسم بالسوية، ووجد من يصده من العلماء المخلصين العاملين الذين يبلغون رسالات ربهم، ولا يخشون لومة لائم فهو لا محالة منتهٍ عما يفكر فيه؛ لأن العلماء العاملين سيقفون في طريقه حجر عثرة لا يستطيع أن يتخطاها.

أما إذا لم يرتدع ولم ينته عن غيه وتمادى في ظلمه، وخشي الناس بطشه، وخافوا غوائله، عندئذٍ عظّم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أجر من يقف في وجهه قائلاً كلمة الحق، واعتبرها أفضل الجهاد، أخرج ابن ماجه في سننه أن رجلاً عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْجَمْرَةِ الأُولَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمَّا رَأَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ سَأَلَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟" قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ".

ودائمًا الحرُّ الأبيُّ هو الذي يأبى الضيم والذل والهوان، ولكن العاجز الذي هانت عليه نفسه هو الذي يهون على الناس، وكما قال المتنبي:

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

والقاري لكتب السِّيَر والتواريخ يجد أن الأحرار كانت لهم المكانة العليا، والدور الرفيع في نصائح الخلفاء وحثهم على الخير، وقبول الحكام لهذه النصائح ما دامت خالصة لوجه الله.

وقد وضح الخليفة الأول العلاقة بين الحكّام والمحكومين في أول خطاب له للأمة بعد أن حمل عبء الخلافة فقال بعد حمد الله والثناء عليه بالذي هو أهله: "أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه -إن شاء الله، والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه -إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله" ). تاريخ الأمم والملوك

لله درك يا أبا بكر، ما أحسن تواضعك! وما أخلص صدقك! وما أوسع رحمتك برعيتك! وما أعظم مراقبتك لخالقك! فوالله لأنت النموذج الأمثل بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يجب أن يحتذى به ويقتدى.

وإذا تركنا الصدّيق لنذهب إلى الفاروق لوجدنا عجبًا؛ فقد "أتى عمرُ مشربةَ بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال: يا محمد، كيف تراني؟ قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، قويًّا على جمع المال، عفيفًا عنه، عدلاً في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف. قال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني"). سير أعلام النبلاء

رحم الله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ورحم الصحابي الجليل محمد بن مسلمة، فلو سمع أحد حكام هذا العصر هذا الكلام لقامت الدنيا ولم تقعد، رغم أنه لم يبلغ عدل عمر ولا نصيفه.

وقد "دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك -وهو جالس على السرير- وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك قام إليه فسلم عليه وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد، حاجتك؟

قال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة، واتق في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور؛ فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين؛ فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق دونهم بابك.

فقال له: أفعل.

ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك وقال: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك وقد قضيناها، فما حاجتك؟

قال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج. فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف. هذا وأبيك السؤدد ]).

فهذا عبد الملك بن مروان رغم ما بلغه من القوة والسيطرة على دولته، وقهره لكل من وقف أمامه أو خرج عليه، يسمع لعطاء بن أبي رباح دون إظهار لتبرم أو ضيق.

ولم يفت خلفاء بني العباس حسن الاستماع إلى رعيتهم إذا ظهر ما يسوء الرعية؛ فقد "قال إسماعيل بن عياش: ولي السفاح فظهر جور بإفريقية، فوفد ابن أنعم على أبي جعفر مشتكيًا ثم قال: جئت لأعلمك بالجور ببلدنا، فإذا هو يخرج من دارك، فغضب وهمّ به. وقيل: قال له: كيف لي بأعوان. قال: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: الوالي بمنزلة السوق يجلب إليه ما ينفق فيه؟ فأطرق طويلاً، فأومأ إلي الربيع الحاجب بالخروج ]).

من خلال ما سبق نجد أمرين:

الأول: أن الخلفاء أحسنوا الاستماع لمن تقدم لهم بكلمة نصح لوجه الله تعالى.

والثاني: أن الرعية لم تبخل بالنصح للخلفاء.

ومن هنا نجد أن الكل قد عرف ما له وما عليه؛ ولذلك ساد الإسلام الأمم بأمثال هؤلاء الحكام والمحكومين.

أما إذا أصبح الناس سلبيين غير مبالين بما يحدث لهم وحولهم، فهنا يتحقق فيهم قول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وآله وسلم- عند خطابه للمهاجرين: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ -وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ"( [7]).

ففي هذا الحديث إنذار شديد اللهجة من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يحذر فيه الأمة من انتشار السلبية واللامبالاة، ويحثها على الإيجابية، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فانظر كيف أن السلبية مقيتة، وأن عواقبها وخيمة؛ فالأمراض الفتاكة والأوجاع نتيجة حتمية لذيوع الفواحش، وجور السلطان وظهور المجاعات مترتب على إنقاص المكيال والميزان..إلخ.

فمن يظلم الناس حقوقهم يسلط الله عليه من يظلمه ويسلبه حقه؛ فهي أمور مرتبة بعضها على بعض.

أمثلة للإيجابية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

1. قصة الهدهد في سورة النمل وإيجابيته في معرفة القوم الكافرين وسعيه إلى نبي الله سليمان ليسعى معه لتغيير هذا الواقع الأيم وينقلهم من الكفر إلى الإيمان.

2. قصة النملة في سورة النمل، والتي بإيجابيتها تحمي قومها من تحطيم سليمان وجنوده لها دون أن يعلموا.

3. قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة في سورة يس يسعى ينادي قومه أن يتبعوا المرسلين

4. قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر.

5. قصة الغلام وأصحاب الأخدود.

دوافع الحركة والإيجابية

1. التواصل والتفاعل مع الغير معلم بارز من معالم الإسلام :

والمرء إنما يسعى التلبيس به بدافع الإيمان والالتزام بمثل التوجيهات الربانية والنبوية التالية :

قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ... } آل عمران110 ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الحج77 ، وقوله تعالى : {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ... } الأنفال25 ، وقوله r : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) .

وقوله r : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) .

وقوله r : ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال : كالقائم الذي لا يفطر ) وقوله r في حديث السفينة : ( .. فإن تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ) .

ومن كلمات الإمام الشهيد : ( عبادة ربكم وإعزاز شريعتكم والجهاد في التمكين لدينكم هي مهمتكم في الحياة – الإيمان بعظمة الرسالة والاعتزاز بها والعمل من أجلها )

2. الحركة بدافع حب الناس والحرص عليهم والرغبة في تقديم الخير لهم :

{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة128 ، ( وما الشرع : إلا تعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله )

{...إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } هود84

3. الحركة بدافع أداء واجب الدعوة ، والخروج من إثم التقصير

قال تعالى : { وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} } ، وقوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } الأعراف165

4. الحركة بدافع الرغبة في هداية الناس وإقامة سلطان الحق :

وعلينا الأخذ بأسبابها لا غير أما تحقيقها فعلى الله عز وجل وحده.

فقد قال تعالى { ... يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ } غافر38

وقال تعالى : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ... } القصص 56 ، وقال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ... } النور55

5. الحركة بدافع الطمع في الأجر والمثوبة :

كما ورد في مثل قوله r : ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في الجحر والحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير )

وقوله r : ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحد خيرٌ لك من حمر النعم ) .

6. الحركة بدافع الرغبة في بيان الحق وإقامة الحجة والإعذار إلى الله :

كما في قوله تعالى :

{ ... لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأعراف164



الثلاثاء، 18 مايو 2010



هذه الصورة كانت ايماناً مني بحرية التعبير عن الأفكار
وحيث ان دعوتنا لا تجرح اشخاص ولا هيئات فإني حذفت هذه الصورة
ولكن بعد أن وجد كثير من متابعي المدونة الموقرين اعترضوا عليها
أثرت أن احذفها لأنها تخدش الحياء العام
والحياء شعبة من شعب الإيمان
وجزاكم الله خيرا
وأخص بالذكر
خطيبتي / إيمان
وابنة عمتها / شيماء
والاستاذ علاء المحامي
والشيخ / طه
وجزي الجميع عنا كل الخير

الخميس، 13 مايو 2010




ابداعاتي

السبت، 24 أبريل 2010


الأحد، 11 أبريل 2010



الأربعاء، 7 أبريل 2010

الإخوان والأفكار الإبداعية.. ردًّا على عبد المنعم سعيد

بقلم: د. عبد الفتاح رزق

الصورة غير متاحة

د. عبد الفتاح رزق

ردًّا على د. عبد المنعم سعيد عما نشرته "(الأهرام) الجمعة 2/4/2010م" حول كلمته عن الإخوان في الإسكندرية "إن الإخوان لم يقدموا فكرة إبداعية"، وفي هذا إجحاف شديد لحق الملايين من أبناء وأعضاء ونساء وبنات ورجال وقيادات الإخوان.

عشرون فكرة مهمة قدمها الإخوان للناس في الفترة الماضية:

1- الثبات على المبادئ وليس التلون بألوان أصحاب النفوذ والأموال.

2- تقديم التضحيات الغالية من أجل إصلاح أحوال البلاد والعباد "32 ألف معتقل- وعشرون شهيدًا في العمليات الانتخابية" وذلك خلال العشر سنوات الماضية فقط.

3- التواصل الدائم والمستمر مع كافة التيارات السياسية، والعمل المتكرر لتوحيد الجبهة الداخلية؛ من أجل التصدي للفساد والاستبداد.

4- تربية النشء والشباب على مبادئ العقيدة والأخلاق، وإنقاذهم من براثن الانحلال والانحراف والمخدرات.

5- تعميق الوجود المصري في البعدين العربي والإفريقي من خلال تواصل وتكرار الأعمال الإنمائية والإغاثية في الدول العربية والإفريقية، والتصدي لمشروع الهيمنة الصهيونية الأمريكية.

6- تجميع جهود الشعب المصري والعربي والإسلامي والعالمي لتقديم المساعدات للمرضى والمعوقين والمصابين والمحاصرين في غزة؛ رغم التواطؤ العالمي والمحلي والإقليمي.

7- تقديم نماذج مصرية من ذوي القامات العالمية على مستوى البحث العلمي والتربوي، منهم أعضاء في جمعيات علمية مرموقة وذوو أبحاث علمية تشهد لها الجهات البحثية العالمية بالرقي، ولكن نظام الاستبداد الذي تحاول أنت دائمًا تقديمه على أنه نظام مبدع ملهم يضعهم في السجون المرة تلو المرة مع أرباب السوابق والمجرمين "ضحايا سياساتكم".

8- تقديم نموذج من الخدمة الطبية الراقية التي تعتمد على ذاتها وعلى المجتمع في التشغيل والتمويل "21 فرعًا للجمعية الطبية الإسلامية التي أسسها المرحوم د. أحمد الملط" والتي تنتشر على مستوى الجمهورية، وتعالج ملايين المواطنين من خلال منظومة رائعة ليس أدل على عبقريتها من انتشارها واستمرارها وتوسعها، ولكن ماذا فعل نظامك الغاشم المدمر اتخذ أحد المحافظين المعينين قرارًا جائرًا "أبطله القضاء" من أول جلسة بهدم أكبر صرح طبي للجمعية، "المستشفى المركزي 500 سرير" تحت ادعاء كاذب وباطل.

9- تقديم نماذج لقضاء مصالح أبناء الوطن بكل سرعة وإتقان دون التعنت والفساد والمنتشر في أرجاء المؤسسات الخدمية المعبئة بروائح العفن والرشوة والفساد، يكفي مثلاً إحدى النقابات أن تنهي إجراء تسجيل وقيد واستخراج الأوراق الثبوتية لعشرة آلاف من أعضائها كل عام في مدة لا تزيد عن أسبوعين.

10- تبني الأفكار الصحيحة عن المواطنة، وإظهار حقيقتها خدمة للوطن، والحفاظ عليه، وتحمل كافة الأضرار في سبيل رفع شأن الوطن.

11- تقديم نماذج مبهرة ورائعة وإيجابية من خلال الإصرار على المشاركة في كافة الانتخابات، وترسيخ مبدأ التغيير من خلال صندوق الانتخابات، وليس من خلال تزوير الانتخابات كما يفعل حزبك الذي تنتمي إليه، ويكفيهم أنهم تقدموا لانتخابات المحليات بأكثر من خمسة عشر ألف مواطن للترشيح، ولكن نظامك المستبد منعهم من الترشيح للمحليات رغم أحكام القضاء.

12- تكوين شبكة كبيرة وموسعة لتقديم المساعدات الاجتماعية في المناسبات المختلفة، ويكفي أن تعرف أن أول من قام بتوزيع شنطة رمضان على الفقراء والأيتام هم الإخوان، وكان ذلك يتم منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، ولقد حذت رموزكم وكباركم حذو الإخوان في ذلك، ونحمد الله على أن يكون ذلك كله لصالح الفقراء.

13- بناء شخصيات غير خانعة، أو خاضعة، أو مائلة، أو خائفة، أو مرتجفة؛ فأبناء وشباب ورجال ونساء الإخوان يكفيهم فخرًا ويكفيهم سموًّا أنهم لا يخافون من إرهاب النظم المستبدة والفاسدة، بالرغم من العمل الترهيبي المنظم ضد أبناء الوطن لتقزيم هامته الإبداعية والخلاقة، فالإبداع لا يكون إلا في ظل الحرية؛ فأين هي الحرية العملية لأبناء الشعب المصري؟

14- التأكيد على استمداد أفكار البناء والتقدم من أبناء الوطن، وأبناء الأمة المخلصين وأحرار العالم، وليس من خلال الشخصيات المريبة التي تقدمونها دائمًا كرموز كما ذكرت في مقالك عن شخص يسمى "محمد علي ليس مصريًّا"، ويا للعجب أن يفتخر مصري بشخص كان مدمرًا للشخصية المصرية، وهذا ليس كلامي بل كلام الإمام محمد عبده عن ذلك المستبد الفاسد القاتل.

15- التصدي للغزو الفكري الرامي لإضعاف الشخصية الوطنية حتى تكون ضعيفة الإرادة، وقابلة للاستعمار والاحتلال.

16- التصدي القوي لمحاولات إفساد المناهج التعليمية بواسطة الخبراء الأمريكان والأجانب الذين ينتزعون من المناهج التعليمية مبادئ التعاون والقوة.

17- آلاف الكتابات وملايين الصفحات وملايين الكلمات الإذاعية والخطابية التي تنادي بالإصلاح السلمي، وكل ذلك من أجل مصلحة الوطن.

18- أصلاً فكرة الجماعة فكرة ملهمة إبداعية، فهي جماعة تستمد قوتها من مناهجها ومن رجالها من أبناء الشعب الذين يحلمون هذا المنهاج ويعملون به، ولم يفرطوا في هذه المنهج رغم العنت الذي يلاقونه؛ فهي جماعة وطنية شعبية نشأت من هذا الوطن، وتنتمي إليه وتلقى القبول والانتشار، بالرغم من كل هذه التدابير الشاذة تجاهها، وهذا في حد ذاته يدل على أن هذا المنهج إبداعي، فهو ينتشر رغم التضييق والتشنيع والتشويه والإيذاء.

19- لقد استطاع الإخوان أن يحركوا الشعب المصري للمشاركة الانتخابية، ويكفيك افتخارًا أن النساء تسلقن السلالم الخشبية في الانتخابات الماضية للإدلاء بأصواتهن وذلك هروبًا من السواتر الحديدية التي وضعها زبانية الاستبداد لمنع الشعب من إقرار حقه من خلال صندوق الانتخابات.

20- وفي الختام ما قدمه الإمام الشهيد من أكبر فكرة إبداعية في تكوين هذه الجماعة الرشيدة "على مبادئ الإسلام وليس غيره" التي تحمل الخير لكل الناس وما زالت الجماعة صامدة منتشرة متنامية.

والله الموفق...

منقول موقع الإخوان المسلمون

الأربعاء، 31 مارس 2010

الحرب الصليبية الباردة


الحرب الصليبية الباردة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد الصادق الأمين، أما بعد:
فعلى الرغم من ارتباط الكنيسة الرومية الكاثوليكية الوثيق بالحروب الصليبية التي تُعد أُولى محاولات الغرب الرومي لاستعمار ديار المسلمين، إلا أن كثيراً ممن يكتب حول الحراك الكنسي في بلاد الإسلام يصور البابوية في صورة راهب يخفي في كُمِّه نسخة من إنجيله المحرَّف ليبلِّغها إلى البسطاء من الأطفال والعجائز، وينسى هؤلاء صورة ذلك الفارس الرومي الذي لبس لَأَمَتَه وشهر سيفه وقد خط على صدره صليباً؛ عِلماً بأن الباحثين في ميدان التنصير يكادون يُجمعون على أن التنصير في العالم العربي إنما لجأت إليه الكنيسة بعد فشل الحروب الصليبية في أن تحقق للبابوية ما كانت تصبو إليه من نفوذ.
إن الكنيسة الرومية الكاثوليكية تنهج سياسة فريدة يمكن تسميتها بـ: «الاستعمار الخفي» أو «الحرب الصليبية الباردة». تتلخص هذه السياسة في تغيير الخريطة السكانية عن طريق تشجيع أتباعها الكاثوليك على الهجرة إلى البلاد التي يراد زعزعة الولاء فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما حدث في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بعد أن لجأ إليها البروتستانت المضطهدون في أوروبا؛ فكان هؤلاء البروتستانت يشكِّلون أغلبية ساحقة، لكن الأمر تغير بعد مشروع الاستعمار الخفي الذي خطط له الرهبان الكاثوليك في «بَفَلو» عام 1852م، والذي أعلنوا فيه:
«لقد عزمنا على الاستيلاء على الولايات المتحدة وحكمِها، لكننا لا نستطيع صنع ذلك دون العمل سراً وبكل حِكمة...وبسرية وصبر علينا أن نحشد أتباعنا من الروم الكاثوليك في المدن الكبرى بالولايات المتحدة... ولِندْعُ فقراءنا المؤمنين من الكاثوليك الإيرلنديين من كل أنحاء العالم»[1].
وفعلاً توالت على أمريكا أمواج من المهاجرين الإيرلنديين الكاثوليك حتى قال الرئيس الأمريكي «أبراهام لنكولن»: «إن القساوسة والراهبات والرهبان الذين يحُطُّون على شواطئنا كل يوم تحت ستار الدعوة إلى دينهم، ليسوا سوى رسلٍ للبابا ونابليون الثالث...»[2].
لقد تمكَّن الكاثوليك - تدريجياً عن طريق الهجرات المتتابعة من أوروبا وأمريكا اللاتينية - من قلب الخريطة الديمُغرافيَّة في أمريكا الشمالية بشكل مثير للقلق؛ ففي عام 1900م كانت نسبة البروتستانت في أمريكا الشمالية 46.1 % بينما كانت نسبة الكاثوليك لا تتجاوز 14.2 %، والآن تتباهى الكنيسة الرومية الكاثوليكية بأنها تفوق الكنائس البروتستانتية أتباعاً؛ فهم يشـكِّلون في أمريكا الشمالية 22.6 % بينما لا يتجاوز البروتستانت 19.0 %؛ بمعنى أن الولايات المتحدة التي تبلغ نسبة الكاثوليك فيها 19.6 % مقابل 18.6 % لصالح البروتستانت لم تَعُد بروتستانتية «إصلاحية» كما يُظَن، بل هي الآن دولة كاثوليكية بابويَّة[3].
وفي محاولة لتثبيت أقدام أتباع الكنيسة الكاثوليكية في العالم العربي أكد البابا – وَفْقاً لمقال نشره موقع «زينيت» الخاص بأخبار الكنيسة الكاثوليكية بعنوان: «البابا (يقول): النصارى ثروة للدول المسلمة» – على أن النصارى يُضفُون بُعداً خاصاً على الدول ذات الأقليات النصرانية في الشرق الأوسط، ويرجو أن يكون الشرق الأوسط «أرضاً للتعاون الأخوي والاحترام والسلام المتبادل بفضل إسهامات كل المؤمنين الذين يعيشون فيه».
لكن هذا الكلام المتزلِّف يناقض الوثيقة التي أصدرها «مجمع عقيدة الإيمان» الكنسي عام 2007م، والتي كُتب في ذيلها: «إنَّ الحَبر الأعظم «بندكت السادس عشر» قد أقرَّ هذه المذكِّرة العقائدية».
تقول هذه المذكرة: «إن الربَّ يسوع المسيح نفسَهُ الحاضرَ في كنيستِهِ، يسبِقُ عمل المُبشِّرين، يُرافقهُ ويتبعهُ؛ ليجعَلَ تَعبَهم يُثمِرُ؛ فما حدثَ في العصورِ الأولى يستمرُّ طيلةَ التاريخ... يُقالُ بأنه يكفي أن نساعدَ الناسَ على أن يكونوا أكثرَ إنسانيةً أو أكثرَ أمانةً لديانتهم، وأنه يكفي أن نبني جماعةً قادرةً على العملِ في سبيلِ العدلِ والحرية والسلام والتعاون... أمامَ هذه الإشكاليات، قد ارتأى مجمع عقيدة الإيمان ضرورةَ نشْرِ هذه المذكِّرة...»[4].
فالهدف من إقحام العنصر الكاثوليكي إذن ليس بناء «جماعة قادرة على العمل في سبيل العدل والحرية والسلام والتعاون». بل ما يصبو إليه البابا، هو أن يكون للكاثوليك ثقلٌ يسمح لهم بالمطالبة بكنائس ورهبانيات في بلاد الإسلام؛ علماً بأن سياسة الكنيسة الكاثوليكية إقصائية للمنافسين؛ حتى من النصارى؛ فهي لا تسمح برواج أي شكل من أشكال النصرانية يخالف ما عليه الكنيسة الأم إلا أن يكون ممهِّداً لها، والخلاف (الكاثوليكي - الأرثوذكسي) في مصر مثال حي على ذلك؛ فعندما بدأ الرهبان الكاثوليك يتوافدون إلى مصر لم يخضعوا لسلطان الطائفة الأرثوذكسية، بل حاولوا كسب نصارى الأقباط إلى الكاثوليكية وتمكنوا من إقامة «كنيسة الأقباط الكاثوليك».
إننا نجد تزايداً كاثوليكياً ملحوظاً ومقلقاً في الدول العربية على وجه الخصوص، يقابله - بالطبع - تراجع في نشاط الطوائف النصرانية الأخرى؛ فوَفْقاً لإحصاء عام 2005م يشكِّل النصارى الوافدون فــي قطـــر - مثــــلاً - 10 % من السكان، 6 % منهم يتبعون الطائفة الكاثوليكية. وفي الكويت تبلغ نسبتهم 13 %، 9 % منهم من الكاثوليك. أما في الإمــارات وعُمــان والبحرين فالكنـــائــس الكــاثـــوليكــية - على الإطلاق - أكثر الكنائس تابعاً. أما في السعودية (التي استعصت على المنصـرين) فيشـكــل النصـارى الوافـدون 3.5 %، 3 % منهم من الكاثوليك[5]!
وقد طالب البابا علناً بمنح ما يسميه حقوقاً لأتباع ملَّته من الكاثوليك في تلك البلاد. وفي مقابلة مع الأسقف بول هِندَر (المسؤول عن طائفة الكاثوليك في الجـزيرة العربية) صرح الأسـقف بأن «أهم ما نود الحصول عليه هو إمكانية الاجتماع في جوٍّ حرٍّ آمنين على شعائرنا وقُدَّاساتنا وأنشطتنا».[6]
وكما قال الكاتب الألماني المسلم «أحمد فون دِنفَر» في كتابه «التغلغل الصليبي في منطقة الخليج»: «ليس هناك أيُّ شك في أن هؤلاء العاملين أو المغتربين (في دول الخليج) يشكِّلون عدداً لا يستهان به من الطابور الخامس الذي يمكن استخدامه للتبشير النصراني بين المسلمين، وبشكل خاص في المناطق التي تكون مغلقة في وجه العمل التبشيري التقليدي المعروف عادة»[7].
إن الكنيسة الكاثوليكية تعيش مرحلة ذهبية من مشروع الحرب الصليبية الباردة في عهد «بندكت السادس عشر»؛ ففي مقالة نشرتها مجلة the Trumpet الأمريكية بعنوان: «الحملة التنصيرية الخاطفة لبندكت»[8] يبدأ الكاتب «رون فريزر» بقوله: «إن أي مراقب حاذق لـ «جوزيف راتسنجر» (بندكت السادس عشر) يدرك أجندته المتعمَدة والمحسوبة لإعادة عقارب الساعة أثناء فترته البابوية... (إنه) يريدها (أي: الكنيسة الكاثوليكية) أن تعود إلى مكانتها التي تمتعت بها يوم كانت في أوج قوَّتها»، ثم يقول: «لقد أنجز راتسنجر الكثير في أجندته بالتعاون مع البابا يوحنا بولس الثاني. إن حميمية العلاقة التي تمتع بها البابا البولندي والكاردينال البافاري تجلَّت في التزامهما المتدين بلقاءاتهما الأسبوعية السرية كل أسبوع، كما أن «راتسنجر» كان الكاردينال الوحيد الذي يُسمح له بمخاطبة البابا بلسانه الألماني. إن المنبر البابوي السياسي الذي بناه «راتسنجر» بالشراكة مع «فويتيوا» (يوحنا بولس الثاني) أسس قاعدة الانطلاق المثالية للأجندة البابوية الحالية من أجل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي تهدف إلى تنصير شرسٍ متسارع».
ثم يؤكد المقال على أن من دلائل استعجال البابا في تنفيذ أجندته الصليبية أنه أعلن حرباً ضد أربع جبهات في عامين فقط:
الجبهة الأولى: داخلية؛ فقد غيَّر عدداً من أعضاء فريقه؛ فهو يبني فريقاً في روما يعينه على أجندته.
الجبهة الثانية: - على حد تعبير «جورج فريدمان» (الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ستراتفور») - «رميُه قنبلةً يدويةً» داخل الحلبة الإسلامية. ولكن كما يقول المقال؛ فإن «الجلبة التي حدثت من جراء كلمات البابا المنتقاة عمداً في هجومه على الإسلام أضحت تاريخاً غابراً؛ لقد كانت - كما أشار فريدمان - «نقلة رشيقة؛ لقد عزز قاعدته السياسية وربما مَنَح شرعية لردٍ أقوى على الجدل المعارض للكاثوليكية في العالم الإسلامي، وقد قام بهذا بتمويه بارع. إن خياراته مفتوحة». ا هـ.
يعلق «رون فريزر» بقوله: «هذه هي طريقة البابا؛ إنه يصل إلى حبل الوريد ولكن ببراعة تجعل خياراته قائمة؛ إنها سمةُ دِبلوماسيٍ محترف».
الجبهة الثالثة: العَلمانية الأوروبية؛ حيث استغل الذكرى الخمسين للاتحاد الأوروبي «ليهاجم قادة الاتحاد الأوروبي في عجزهم - عند إعلان المبادئ الأساسية - عن الاعتراف بالديانة التقليدية لأوروبا، والتي خرجت من روما»؛ فالبابا يدرك تماماً أن أوروبا التي كانت تزخر بأتباع البروتستانتية من اللوثريين والكالفنيين، أصبحت ذات أغلبية كاثوليكية بعد أن قامت الحربان العالميتان والحرب الباردة بدورها خير قيام.
إن تعداد أتباع الأديان الذي أُجري عام 2009م يشير إلى أن عدد البروتستانت في أوروبا أقل من 68 مليوناً، بينما يربو عدد الكاثوليك على 275 مليوناً، وهو يفوق عدد الأرثوذكس في أوروبا بما في ذلك أوروبا الشرقية[9].
يستمر الكاتب قائلاً: «لقد خط البابا خطاً رابعاً على الرمل في حملته الصليبية العالمية أثناء رحلته الأخيرة إلى البرازيل». وهذه هي:
الجبهة الرابعة: فقد حث أساقفة أمريكا اللاتينية على «التعبئة لحملة صليبية تنصيرية على مستوى القارة (أمريكا الجنوبية؛ «قارة الأمل» كما يدعوها)؛ لدحر الطوائف غير الكاثوليكية التي اخترقت أمريكا اللاتينية»؛ فالكنيسة الرومية الكاثوليكية لا تأذن للمنافس النصراني المخالف في بلد لها فيه مُكنةٌ؛ فضلاً عن أن تتعايش يوماً مَّا مع ألَدِّ أعدائها من المسلمين.
ثم يضيف الكاتب: «لكن أجندة البابا أوسع من أن تُحصَر في دعوة للمتخلفين من الكاثوليك أن يلحقوا بركابها: إنها ذات نبرة سياسية حتمية، وطبيعة عالمية... إن هذا البابا جدير بالمراقبة... إن هنا أحد البابوات العازمين على تنصير العالم مستخدماً الدين، والاقتصاد العالمي، والقضايا الاجتماعية، والسياسة الدولية، أو أي سلاح يختاره مهما كان؛ ما دام يلائم الزمان والمكان والرأي العام... إن «بندكت السادس عشر» لن يَقِرَّ له قرار حتى يحقق هدفه»[10].
إنها حرب صليبية باردة يوشك أن يحمى وطيسها بعد أن تَقلِب الكنيسةُ موازين القوى بتغيير الخريطة السكانية كما صنعت في «فيتنام» البوذية من قَبْل؛ إذ علق «فلِتشَر براوتي» على هذه الإستراتيجية الماكرة في «فيتنام» قائلاً: «لا شيء مما حدث أثناء الثلاثين عاماً من هذه الحرب 1945 - 1975م كان أكثر فتكاً من نقل الـ 1.100.000 كاثوليكي من الشمال إلى الجنوب في وقت لم تكن قد وُجدت فيه حكومة الجنوب تقريباً[11]».
أليس من حقنا إذن أن نقلق من تزايد الكاثوليك وكنائسهم في أراضي المسلمين باسم حرية الدين؟

منقول عن مجلة البيان الاسلامية


الأحد، 28 مارس 2010