الأربعاء، 19 مايو 2010

الإيجابية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيجابية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الراعي أبو المكارم

إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي على السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تُكبلها القيود. الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.

واللغة تسعفنا، إذ تعطينا معاجمها دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب "أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه"

[لسان العرب 1/793].

ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام. ومعناها في المفهوم المعاصر يتسع ليكون دالاً على إيجاب المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، لما عنده من همة عالية، ورغبة عارمة في البذل.

ويمكن أن نُعَّرف الإيجابية في حياة المسلم بأنها: الحركة الذاتية للعبد المؤمن الناشئة عن حياة القلب المؤمن لتغيير الواقع وإصلاحه بما يوافق شريعة الله عز وجل.

[انظر: استراتيجية التطوير الإداري والإصلاح الشامل، إبراهيم الديب ص 81-83].

وقد تعرض القرآن الكريم للإيجابية في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:95)،

فهو هنا سبحانه لم يساو بين الإيجابي بماله ونفسه ووقته وجهده وبين السلبي عن البذل والعمل. ومن نماذج الإيجابية في السنة قوله صلى الله عليه وسلم " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " [رواه البزار].

فالمؤمن يعمل لنصرة الحق وإسعاد البشرية حتى وإن قانت الساعة. ومن ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: " بلغوا عني ولو آية "، فالإيجابية في العمل لنصرة دين الله حتى ولو بأقل القليل قدر المستطاع فلا عذر لأحد عن العمل بالحركة والبذل والسعي للإصلاح والتغيير.

قيمة الإيجابية وأهميتها:

الإيجابية هي الروح التي تدب في الأفراد فتجعل لهم قيمة في الحياة، وتدب في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، وهي الدليل الهادي والخريت) الخِرِّيت: الدليلُ الحاذقُ بالدلالة.

[اللسان، مادة (خرت)].

الذي لا يضل الطريق، والأمل الذي لا يتبدد، والمطية التي لا تكبو، وهي صمام أمان للجميع، وهي جماع عدة أمور من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبر ووفاء وصدق عهد مع الله .... إلخ.

وتكمن أهمية الإيجابية -فيما نرى- في أنها

1-تمنع من الانحراف في الدين

لو أن هذا الدين الذي ختم الله به الرسالات، وأكمل به الشرائع، تُرك لكل واحد أن يدلو فيه بدلوه بالزيادة أو النقصان، ماذا سيكون حال هذا الدين؟!

لابد أن النتيجة الحتمية هي التحريف في هذا الدين، وضياع صورته الحقيقية، وتشويه شكله، وطمس معالمه الأصيلة، وتزييف أهدافه النبيلة.

ولكن لو أن كل مسلم علم أنه على ثغر من ثغور الإسلام، وأنه مطالب بالحفاظ على هذا الدين من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، لظل هذا الدين في حصن منيع يستعصي على من يتربصون به الدوائر.

ومشكلة أي دين تكمن في الابتداع فيه؛ لذلك حذر النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- منه، بل هدد وأوعد من يقدم على هذا الفعل فقال: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا"). أخرجه ابن ماجه

وصح عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )، أي: مردود عليه غير مقبول منه. أخرجه البخاري في "الصلح"،

والبدعة لا تقوم ولا تظهر إلا عند غفلة أهل الحق، وقعودهم عن القيام بالمسئولية المنوطة بهم، المعلقة في أعناقهم، فإذا وَجَدَتْ عند ابتدائها من يردها، فإنها ترجع مدحورة إلى جحرها، ولا تزال تطل برأسها بين الحين والآخر، وتنظر من طرف خفي حتى تجد الغفلة والسهو من أهل الحق فتعود من جديد.

وانظر -أيها القارئ الحبيب- إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم من أن "أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ.

فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ).

فهذا رجل من أهل السلطة يغير سنة من سنن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، فيقوم إليه رجل مجهول لم نعرف عنه شيئًا، ولكنه احتسب تلك القومة عند الله، مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك، وبعد ذلك يؤكد الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري أن هذا الرجل قضى ما عليه، وهذا صحيح لا يماري فيه إلا منافق، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث يقول: " إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" ). أخرجه أحمد في مسنده

وهناك مواقف عظيمة سجلها التاريخ لرجال خافوا على هذا الدين، فوقفوا في وجه الباطل مهما طغى وتجبر، وتصدوا للطغيان مهما بغى وتكبر؛ فها هو "قاضي البصرة إبراهيم بن محمد التيمي يقول: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم من بني أمية، والمتوكل في محو البدع وإظهار السنة ).

وهذه كلمة حق وشهادة صدق لهؤلاء الأطواد الشوامخ من أطواد الإسلام.

فإيجابية صديق الإسلام وثاني رجل في أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إيجابية مشرقة، فهو مثال ونموذج أعلى في الإيجابية، فقد وقف الصديق رضي الله عنه متوعدًا مانعي الزكاة قائلاً قولته المشهورة: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ])، وبذلك قضى على مانعي الزكاة الذين كانوا يريدون أن يتملصوا من تعاليم الدين، ويتحللوا من فرائضه رويدًا رويدًا، لكنه رضي الله عنه أدبهم فأحسن أدبهم، وردهم إلى الجادة، وجعلهم يسيرون في قافلة التوحيد مرة أخرى، بعدما كادوا أن يَضلوا ويُضلوا.

فلولا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووقوفه في وجه المرتدين لكان حال الإسلام في الجزيرة العربية، بل والعالم أجمع غير تلك الصورة التي نعيشها الآن.

وكذلك الحال مع المتوكل الذي أبطل فتنة القول بخلق القرآن التي ابتدعها المعتزلة، واحتضنها ثلاثة من خلفاء بني العباس، وهم: المأمون، والمعتصم، والواثق.

هذه الفتنة التي لم يثبت أمامها من العلماء إلا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل -طيب الله ثراه- الذي رفض الإذعان لأهل السلطان، ولم يخش الصولجان، وضحك في وجه المنايا بعين راضية، ونفس أبية، وشخصية قوية، وعقيدة صافية لا دخن فيها ولا شوائب، وتصدى لأعدائه وهو شامخ البنيان، ثابت الجنان، فصيح اللسان؛ فقد حاول أعداؤه أن يفرضوا عقيدتهم السقيمة بالقوة، واستعانوا بذوي المناصب، فأدخل أبو عبد الله السجن، وتكسرت السياط على البساط، وهو كالجبل الأشم الذي يصعب على الأعاصير المسمومة أن تنال منه شيئًا، وبعد ذلك منَّ الله تعالى عليه، وخرج من تلك المحنة مرفوع الرأس، مشرق الوجه، عالي الجبين، وثبت الله به المؤمنين، وهذا ما حدا بعلي بن المديني أن يقول: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ]).

والمزني أن يقول: "أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين" ).

2-تمنع من عذاب الله سبحانه

المسلم الفطن هو الذي يعرف كيف يقي نفسه من السوء، بل ويقي غيره منه، وأعظم السوء أن يحل بقوم غضب الله وعقابه وانتقامه لذنوب اقترفوها ولم يرجعوا عنها.

ولا يحل العذاب بقوم إلا إذا فشا فيهم المنكر غير عابئين بنصح ناصح أو إرشاد مرشد، والطامة الكبرى أن يقع الجميع في المنكر ولا يوجد من يردهم عنه.

ولاشك أن الذي يتحرك لتغيير المنكر هو الذي ينجيه الله سبحانه من سوء العذاب، ويتضح هذا من تلك القصة التي أمر الله سبحانه رسوله محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يذكّر يهود بها، فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: 163-165].

قال صاحب الظلال: "انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم: أمة عاصية محتالة. وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة. وأمة تدع المنكر وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي.. وهي طرائق متعددة من التصور والحركة، تجعل الفرق الثلاث أممًا ثلاثًا!

فلما لم يُجْدِ النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم، حقت كلمة الله، وتحققت نذره. فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء. وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد الذي سيأتي بيانه. فأما الفرقة الثالثة -أو الأمة الثالثة- فقد سكت النص عنها.. ربما تهوينًا لشأنها -وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب- إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب" ).

وكذلك أكد القرآن على هذا الأمر في قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود: 116-117].

قال الحافظ ابن كثير: "يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله: {إِلاَّ قَلِيلاً} أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل، لم يكونوا كثيرًا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه، وفجأة نقمته؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ]).

وقد أكد الأستاذ سيد قطب على أن هذه سنة كونية في الأمم؛ "فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير. فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال!

فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره.. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع.." ). في ظلال القرآن

وهناك إلى جانب آيات الله سبحانه أحاديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التي تدل على هذا الباب؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ سبحانه لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ -وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ- فَلاَ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ]). أخرجه أحمد

فهذا الحديث الشريف يبين لنا فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة إلا إذا انتشر المنكر بين الناس وأقروه ولم يحاولوا مقاومته، فهنا ينزل العذاب على العامة جزاءً وفاقًا؛ لأنهم لم تتغير وجوههم، ولم تحزن قلوبهم على حرمات الله المنتهكة.

وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حديث يبين هذا حينما سألته أمنا زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ]). أخرجه البخاري

فالإيجابية تحمي العامة من عذاب الله؛ حيث إنها تعد بمثابة الشمعة المضيئة التي تهدي الحيارى، وترشد التائهين إلى طريق رب العالمين.

4- أنه صمام أمان للمجتمع يقيه ويحفظه من كل نازلة .

فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ J قَالَ:[ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ ، وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا علَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا]) . رواه مسلم.

5-تمنع من جور الحكام والسلاطين

الحاكم ما هو إلا فرد من أفراد المجتمع، وقد خوله هذا المجتمع أن يباشر حكمهم، فإذا قام بينهم بالعدل فهذا غاية المنى، وإن لم يعدل وجب على مجتمعه أن يبين له مغبة ظلمه.

وما تجبر المتجبرون إلا عندما عجزت شعوبهم أن تردهم عن غيهم، والإيجابية تمنع من جور الحاكم، وتساعد على رد المظالم إلى أهلها؛ فالحاكم إذا سولت له نفسه أن يجور على الرعية، ولا يقسم بالسوية، ووجد من يصده من العلماء المخلصين العاملين الذين يبلغون رسالات ربهم، ولا يخشون لومة لائم فهو لا محالة منتهٍ عما يفكر فيه؛ لأن العلماء العاملين سيقفون في طريقه حجر عثرة لا يستطيع أن يتخطاها.

أما إذا لم يرتدع ولم ينته عن غيه وتمادى في ظلمه، وخشي الناس بطشه، وخافوا غوائله، عندئذٍ عظّم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أجر من يقف في وجهه قائلاً كلمة الحق، واعتبرها أفضل الجهاد، أخرج ابن ماجه في سننه أن رجلاً عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْجَمْرَةِ الأُولَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمَّا رَأَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ سَأَلَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟" قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ".

ودائمًا الحرُّ الأبيُّ هو الذي يأبى الضيم والذل والهوان، ولكن العاجز الذي هانت عليه نفسه هو الذي يهون على الناس، وكما قال المتنبي:

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

والقاري لكتب السِّيَر والتواريخ يجد أن الأحرار كانت لهم المكانة العليا، والدور الرفيع في نصائح الخلفاء وحثهم على الخير، وقبول الحكام لهذه النصائح ما دامت خالصة لوجه الله.

وقد وضح الخليفة الأول العلاقة بين الحكّام والمحكومين في أول خطاب له للأمة بعد أن حمل عبء الخلافة فقال بعد حمد الله والثناء عليه بالذي هو أهله: "أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه -إن شاء الله، والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه -إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله" ). تاريخ الأمم والملوك

لله درك يا أبا بكر، ما أحسن تواضعك! وما أخلص صدقك! وما أوسع رحمتك برعيتك! وما أعظم مراقبتك لخالقك! فوالله لأنت النموذج الأمثل بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يجب أن يحتذى به ويقتدى.

وإذا تركنا الصدّيق لنذهب إلى الفاروق لوجدنا عجبًا؛ فقد "أتى عمرُ مشربةَ بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال: يا محمد، كيف تراني؟ قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، قويًّا على جمع المال، عفيفًا عنه، عدلاً في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف. قال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني"). سير أعلام النبلاء

رحم الله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ورحم الصحابي الجليل محمد بن مسلمة، فلو سمع أحد حكام هذا العصر هذا الكلام لقامت الدنيا ولم تقعد، رغم أنه لم يبلغ عدل عمر ولا نصيفه.

وقد "دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك -وهو جالس على السرير- وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك قام إليه فسلم عليه وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد، حاجتك؟

قال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة، واتق في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور؛ فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين؛ فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق دونهم بابك.

فقال له: أفعل.

ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك وقال: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك وقد قضيناها، فما حاجتك؟

قال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج. فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف. هذا وأبيك السؤدد ]).

فهذا عبد الملك بن مروان رغم ما بلغه من القوة والسيطرة على دولته، وقهره لكل من وقف أمامه أو خرج عليه، يسمع لعطاء بن أبي رباح دون إظهار لتبرم أو ضيق.

ولم يفت خلفاء بني العباس حسن الاستماع إلى رعيتهم إذا ظهر ما يسوء الرعية؛ فقد "قال إسماعيل بن عياش: ولي السفاح فظهر جور بإفريقية، فوفد ابن أنعم على أبي جعفر مشتكيًا ثم قال: جئت لأعلمك بالجور ببلدنا، فإذا هو يخرج من دارك، فغضب وهمّ به. وقيل: قال له: كيف لي بأعوان. قال: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: الوالي بمنزلة السوق يجلب إليه ما ينفق فيه؟ فأطرق طويلاً، فأومأ إلي الربيع الحاجب بالخروج ]).

من خلال ما سبق نجد أمرين:

الأول: أن الخلفاء أحسنوا الاستماع لمن تقدم لهم بكلمة نصح لوجه الله تعالى.

والثاني: أن الرعية لم تبخل بالنصح للخلفاء.

ومن هنا نجد أن الكل قد عرف ما له وما عليه؛ ولذلك ساد الإسلام الأمم بأمثال هؤلاء الحكام والمحكومين.

أما إذا أصبح الناس سلبيين غير مبالين بما يحدث لهم وحولهم، فهنا يتحقق فيهم قول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وآله وسلم- عند خطابه للمهاجرين: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ -وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ"( [7]).

ففي هذا الحديث إنذار شديد اللهجة من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يحذر فيه الأمة من انتشار السلبية واللامبالاة، ويحثها على الإيجابية، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فانظر كيف أن السلبية مقيتة، وأن عواقبها وخيمة؛ فالأمراض الفتاكة والأوجاع نتيجة حتمية لذيوع الفواحش، وجور السلطان وظهور المجاعات مترتب على إنقاص المكيال والميزان..إلخ.

فمن يظلم الناس حقوقهم يسلط الله عليه من يظلمه ويسلبه حقه؛ فهي أمور مرتبة بعضها على بعض.

أمثلة للإيجابية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

1. قصة الهدهد في سورة النمل وإيجابيته في معرفة القوم الكافرين وسعيه إلى نبي الله سليمان ليسعى معه لتغيير هذا الواقع الأيم وينقلهم من الكفر إلى الإيمان.

2. قصة النملة في سورة النمل، والتي بإيجابيتها تحمي قومها من تحطيم سليمان وجنوده لها دون أن يعلموا.

3. قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة في سورة يس يسعى ينادي قومه أن يتبعوا المرسلين

4. قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر.

5. قصة الغلام وأصحاب الأخدود.

دوافع الحركة والإيجابية

1. التواصل والتفاعل مع الغير معلم بارز من معالم الإسلام :

والمرء إنما يسعى التلبيس به بدافع الإيمان والالتزام بمثل التوجيهات الربانية والنبوية التالية :

قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ... } آل عمران110 ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الحج77 ، وقوله تعالى : {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ... } الأنفال25 ، وقوله r : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) .

وقوله r : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) .

وقوله r : ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال : كالقائم الذي لا يفطر ) وقوله r في حديث السفينة : ( .. فإن تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ) .

ومن كلمات الإمام الشهيد : ( عبادة ربكم وإعزاز شريعتكم والجهاد في التمكين لدينكم هي مهمتكم في الحياة – الإيمان بعظمة الرسالة والاعتزاز بها والعمل من أجلها )

2. الحركة بدافع حب الناس والحرص عليهم والرغبة في تقديم الخير لهم :

{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة128 ، ( وما الشرع : إلا تعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله )

{...إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } هود84

3. الحركة بدافع أداء واجب الدعوة ، والخروج من إثم التقصير

قال تعالى : { وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} } ، وقوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } الأعراف165

4. الحركة بدافع الرغبة في هداية الناس وإقامة سلطان الحق :

وعلينا الأخذ بأسبابها لا غير أما تحقيقها فعلى الله عز وجل وحده.

فقد قال تعالى { ... يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ } غافر38

وقال تعالى : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ... } القصص 56 ، وقال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ... } النور55

5. الحركة بدافع الطمع في الأجر والمثوبة :

كما ورد في مثل قوله r : ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في الجحر والحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير )

وقوله r : ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحد خيرٌ لك من حمر النعم ) .

6. الحركة بدافع الرغبة في بيان الحق وإقامة الحجة والإعذار إلى الله :

كما في قوله تعالى :

{ ... لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأعراف164

0 التعليقات: